يسم الله الرحمن الرحيم
وقفة مع حديث
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ مَرَّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا، لا يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا) .
في هذا الحديث الجليل الصحيح بيان عظم حرمة المسلم وخطورة إيذاءه، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمر من مرَّ بالمساجد أو بالأسواق ومعه نبل لم تكن في جعبتها أن يمسك بنصالها وهو رأسها الحاد حتى لا تصيب بالخطأ أحد المسلمين فتؤذيه، فما القول إذن فيمن يتعمد إيذاء المسلمين ليس بالنصال فقط وإنما بقتلهم بأحدث الأسلحة تحت شبهات يوحيها الشيطان إلى أوليائه ربما يسمونها جهاداً، أفلا يعقل هؤلاء هذا الحديث الجليل ليدركوا شناعة جرمهم وعظيم إثمهم.
قال الإمام ابن بطال في شرح صحيح البخاري (2 / 102)
هذا من تأكيد حرمة المسلم لئلا يروع بها أو يؤذى ؛ لأن المساجد مورودة بالخلق ، ولا سيما في أوقات الصلوات ، فخشي عليه السلام أن يؤذى بها أحد ، وهذا من كريم خلقه ، ورأفته بالمؤمنين . والمراد بهذا الحديث : التعظيم لقليل الدم وكثيره.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه النبل السهام التي يرمى بها وأطرافها تكون دائما دقيقة تنفذ فيما تصيبه من المرمى فإذا أمسك الإنسان بها وقى الناس شرها وإذا تركها هكذا فربما تؤذي أحدا من الناس ربما يأتي أحد بسرعة فتخدشه أو يمر الرجل الذي يمسك بها وهي مفتوحة غير ممسكة فتخدشهم أيضا ومثل ذلك أيضا العصي إذا كان معك عصا فأمسكها طولا يعني اجعل رأسها إلى السماء ولا تجعلها عرضا لأنك إذا جعلتها عرضا آذيت الناس الذين وراءك وربما تؤذي الذين أمامك ومثله الشمسية أيضا إذا كان معك شمسية وأنت في السوق فارفعها لئلا تؤذي الناس فكل شيء يؤذي المسلمين أو يخشى من أذيته فإنه يتجنبه الإنسان لأن أذية المسلمين ليست بالهينة قال الله تعالى والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا. شرح رياض الصالحين (1 / 259)