عمان- أحمد الطراونة - طاف د.فيصل درّاج أمكنة فلسطين المخبوءة في ذاكرة الروايات، واستعاد صور وحكايات الحرمان والجوع العتيق بين صفحات الذاكرة الروائية الجريحة، وقدم صور الأرض في ذاكرة الأم الجريحة بالفقد والشتات والتي كانت ترويها بحنان إلى أبنائها الغرباء لكي يبنوا وطنهم الحلم.
جاء ذلك في المحاضرة التي القاها في دارة الفنون مساء أول من أمس ضمن ايام الثلاثاء الثقافي وتناول فيها «أطياف المكان في الرواية الفلسطينية»، وتحدث فيها عن الكيفية التي تعامل بها الروائيون الفلسطينيون مع المكان ، من منظور يتفق مع التجربة الفلسطينية ، ويتوزع على الفقد والحرمان والحصار ، ذلك أن المكان حاضنة للتاريخ والتراث والذكريات ، وهو الموقع المفقود الذي تُعيد الذاكرة الجريحة بناءه وتجعله أكثر جمالاً .
وتساءل دراج في بداية محاضرته: كيف يتذكر فلسطيني وطن لم يره؟ وكيف يتذكر هؤلاء الذين عاشوا فيه فترة وادركوا بعد المنفى انهم لم يروه ثانية؟ وما يتبقى من أطياف فلسطين في ذاكرة فلسطيني عاش في أرضه» ايام العرب» بلغة إميل حبيبي وبقي فيها بعد الاحتلال؟ وما شعور فلسطيني ترك دياره فترة ووجدها أطلالا بعد ان عاد اليها؟
وأضاف دراج ان الذي لم ير أرضه يجمع صورة الوطن من حكايات أمه التي نشأت في الوطن وتعرفت على تفاصيله وأبعدت عنه، وتبني الأم مكانها القديم من الشوق والحلم ولوعة الحرمان وتخترعه ليكون أكثر جمالا.
ثم عاد ليتساءل ما هي أشكال الأرض في الرواية الفلسطينية التي كتبها مبدعون يوحدون بين الروح والكتابة ويتقاسمون مع الأرض لغة واحدة؟ مشيرا إلى أن المكان هو الأرض «السائرة إلى الغياب» ، التي يغتصب ملامحها الاحتلال يوماً بعد يوم ، وهو ذلك البيت القديم الذي كان يمد الفلسطيني بالأمان قبل أن يقع في وجود قلق محاصر بالمفاجآت.
وقال إن غسان كنفاني اشتق جمال الوطن من عذاب المنفى ، وشقاء المنفيّ من فقدان المكان والرحيل من أرض رخوة إلى أخرى ، ولهذا ساوى بين العار والخروج من الوطن ، وبين جمالية الأرض وجمال الإنسان المدافع عنها ، كما عشق جبرا إبراهيم جبرا القدس ، ورأى فيها جمالاً لا نظير له إلا في الجنة ، وقرأ فلسطين كلها بمعايير المكان المقدس الذي سار فوق ترابه الأنبياء ، واحتضن حضارة عربية إسلامية قادرة على الاستمرار والبقاء ، رغم عنف الاحتلال الصهيوني. أما حسين البرغوثي فتأمل أطلال فلسطين التي تنطق بما كان وما سيكون ، لأن روح فلسطين لا تموت. وما قام به البرغوثي قام به قبله إميل حبيبي ، حين مزج بين عشق الأرض ورثائها واعتقد أن ما مضى لا يعود.
وأختتم المحاضر بسؤال قديم جديد، أي من هذه الصور قائم اليوم: الفردوس المفقود، أم الفردوس المستعاد، أم أطلال، أم ارض قابلة للبناء من جديد.